كانت اخر مرة احتواها بنظراته منذ عامين تظللها الاشجار المورقة تتراقص حولها على انغام الهواء عدة ورود بلدية
تنهمر من عيناها شلالات من الدموع الصامته
تسير على بشرتها الناعمة لتخط لها مجرى
لم تكن السماءمثل سابق عهدها
بل لقد تغير لونها وتحول الى عدة الوان غير معلومة
هل يمكنها ان تنسى خالد وابتسامته الخارقة التي غزت قلبها القوي الارادة من النظرة الاولى
لقد انتهى هذا الحب الجارف الى الجلوس بها في حديقة مستشفى الامراض النفسية
وقد طال بعادها عن العالم الخارجي
لقد جرفها الحب الى اعماقه المظلمة
وهذه الوردة البلدية تشبهها الى حد كبير
مع انها اجمل الورد في الحديقة الا انها زرعت وحيدة في مكان محجوب عن الاعين
وقد جزبت عيون نغم الحزينة لتراقبها تتمايل
الزهرة الحمراء مع الهواء يمينا ويسارا وعيون نغم تتحرك معها لقد بدات تتذكر ما حدث
وبحرص بدات تتسلل عبر طيات ذاكرتها
لتستحضر الصور المتزاحمة والمتاخمة لاحزانها وها هو وجه الماضي المؤلم قد اتى
تجلس في حديقة منزلها ترنو الى السماء الزرقاء تحلق في احلام الحب الذي جمعها بخالد
يجلس بجوارها كلبها الوفي
تتحسس خاتم الخطوبة الماسي الذي اقتحم اصبع يدها الايمنتراقب وردة حمراء وقد نمت بجوارها وردة اخرى بيضاء
يتمايل الاثنان ويتعانقوا مع هبوب نسمات الهواء الساحرة
كعاشقين يتناجيان يتراقصان على انغام الموسيقى التي لا يسمعها الا هم فقط
قالت حنين بداخل نفسها باستسلام وعذوبة وهي تبتسم وتقبل خاتمها الماسي
لا حياة بغير الحب
لقد غمرها خالد بحبه الجارف واقتحم مشاعرها الوليدة بجرأة وتبادل كل منهما روحه مع الآخر
وها هو موعد الزفاف قد اقترب بعد خطبة استمرت عدة اشهر
وسوف يربط الرباط المقدس هذا الحب إلى الأبد
تحلق نغم في سماء الحب
لقد كانت بالامس القريب ترفض أي اقتراب من قلبها الحديدي
حتى جاء خالد واجبر الصلب ان يلين
وامره ان يكون طائعا بعد امتلك مفتاحه
بكلمات حبه الخارقه الساحرة
واستعذبت حنين شعور الحب المتفجر كعيون الماء العذب
لقد كانت تبحث عن الحب دائما
وعن قلب تطمئن اليه
حتى جاء هذا الفارس يمتطي الجواد الابيض وجذبها بقوة نحوه
وطار بها الى عالمه السحري
الى عالم الاحلام والارض الخيالية التي يكثر بها المحبين فقط
لم تكن تملك الشجاعة لتقول
احتاج للحب
اريد ان احب
كان كجزيرة صغيرة في عرض البحر
وهي كالغريق وسط امواج عاتية امضى عدة ايام بدون زاد
لقد اطعمها من رحيق الحب
ورواها من حنين القلب
انه هو
نعم هو
الذي كانت تتمناه دائما فاصبحت بفضله تعيش في دنيا رائعة
لقد قربها صوته من بركان الحنان والحب الخامد في اعماقها وجعله يثور ويتفجر بكل المعاني الجميلة التي لم تعرفها من قبل
وها هو الحبيب يدنو منها باسما هادئا يحمل حبها الكبير بداخله
كانت غائبة عن الوجود في دنيا احلامها تجرفها مشاعر فياضة
صباح الخير يا حبي الكبير
افاقت على صوته الساحر وقالت باسمة
اهلا خالد ,صباح النور يا حبيبي
ما هذا الشرود من المقصود به
ازدادت ابتسامتها اتساعا وقالت بدلال مقصود
لن اقول لك
جلس خالد بجوارها وقال في ثقة مرحة وقد عدل من ياقة قميصه وقال بثقة
انا طبعا
ضحكت حنين طويلا
ما هذا الغرور؟
ليس غرورا انه ثقة بالنفس فقط
احترس احترس حتى لا تنفجر
ارتفعت ضحكات المحبين في سيمفونية عذبة وقد شاركهم الكلب بنباحه سعيدا
اشارت حنين على الوردتين الحمراء والبيضاء وقالت بصوتا هامس
هل شاهدت هذه الورود الجميلة
فعلا يا حبيبتي ما اجملهم
هذه الوردة الحمراء تشبهك الى حدا كبير فهي فاتنة مثلك تفيض سحرا
وقال خالد بعزوبة
وقال خالد بعزوبة
وهذه الوردة البيضاء تشبهك لنقاءك وطهارة قلبك
اذا اسمحي لي ان اقدم لك روحي ونفسي فداءا
اسرع خالد وقطف الزهرة البيضاء واعطاها لحنين الذي ارتسم على وجهها الوجوم
وسالته في اسى
لماذا فعلت ذلك؟
حتى اثبت لك اني احبك اكثر من حياتي
نظرت اليه بعيون يملاها اليقظة والحنان
انا اعلم ذلك يا خالد يا حبيبي, وانا ابادلك نفس الشعور واكثر , ولكن قطفك لهذه الوردة التي ترمز لك هو فال سيء
لا تضعي في بالك هناك ما هو اهم
قالت حنين مستسلمة
وما هو
لقد احضرت لك ثوب الزفاف
واين هو
لقد ارسلته الى حجرتك
سوف اصعد لاراه فورا
وانا سوف اذهب لان عندي اشياء كثيرة جدا لم انتهي منها بعد والزفاف غدا ولم يعد هناك وقت
قادتها قدماها المسرعتان الى حجرتها واخذت اناملها الصغيرة تتحس ثوبها الابيض الناصع المطرز بخيوط ذهبية وفضية
واسدل الليل ستاره واخفى السماء الزرقاء وشمسها , ونثر النجوم والقمر ليفسح الطريق لاحلام وعذاب المحبين والعاشقين
جمع الليل ادواته ورحل وعادت الشمس تنير الارض من جديد وارتفعت زقزقة العصافير وايقظة ساكني الفيلا وبدا الاستعداد لمراسم الزفاف التي ستقام في الحديقة الخلفية
وبدات الشمس تتثاءب ودخل اليل في خجل وتلالات الاضواء وارتفعت اصوات مكبرات الصوت باغاني صاخبة
وبدا المدعوون يتوافدون عائلات وفرادي
دلف الجسم الممشوق الى الثوب الابيض
واصبحت حنين في بهائها كملكة متوجة يدور حولها الكثير من الوصيفات يحملن باقات الورود
براقبها الرعية في اعجاب ,تسير مزهوة الى كرسي العرش ينحني لها المدعوون اجلالا واعتزازا
تطلق قلوبهم شحنات السعادة لتكون سحابة ممطرة تمطر بعذوبة لتروي وتبارك هذا الحب الجارف الذي ينمو بقوة بين القلبي
وفجاة
حدث ما انهى هذه السعادة
لقد جاء القدر بخبر مشؤوم
لقد رحل الحبيب الى جوار ربه
بعد تصادم بسيارته التي كانت تزينها الورود بسيارة نقل ثقيل
لقد تلقت الخبر بكل كيانها
اهتزت من اعماقها بقوة لم تعد تستطيع تحريك قدميها
أفاقت من احلامها على ضربة غادرة من ملاك الموت
آلام مبرحة تعتصر كيانها
كيف ستحرم منه , وهو كل حياتها
كانت اقرب ما يكون اليه واصبح روحها واكبر احلامها الجميلة الذي تراه في منامها دائما
كيف ساعيش المستقبل وقد غاب صاحبه
لن انساه
سوف يعيش بين ضلوعي دائما
يلازمني
يطوقني
يضمني
يشاركني مشاعري المختلفة حتى لو كان روحا هائمة حولي
فامس كان معي يسير على وجه الارض قبل ان يرحل الى باطنها ويتركني وحيدة , الا من ذكراه العطرة
لم تسقط دموع حنين
بل جمدت في محاجرها
كأن خالد يحجزها بيده يابى ان تسيل دموعه من اجله
تحس بانفاسه
بصوته
بحبه
ما يزال بالنسبة لها على قيد الحياة لم يغادر دنياها
بل لقد اصبح رجلا خفيا لا يراه إلا هي
لقد تركت الدنيا ورحلت ايها الحبيب
كما انها قد رحلت عنك
فوداعا يا من احببته ولن احب غيره مهما حييت
شعرت حنين بيد تلمس كتفها برفق انها الممرضة تحضر لها الدواء في ميعاده تناولت حنين الدواء بهدوء شديد وبلا مبالاه
وهي ما زلات تراقب الوردة الحمراء وهي تبتسم
تمت بحمد الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق