الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

الوردة الحمراء

كانت اخر مرة احتواها بنظراته منذ عامين تظللها الاشجار المورقة تتراقص حولها على انغام الهواء عدة ورود بلدية
تنهمر من عيناها شلالات من الدموع الصامته
تسير على بشرتها الناعمة لتخط لها مجرى
لم تكن السماءمثل سابق عهدها
بل لقد تغير لونها وتحول الى عدة الوان غير معلومة
هل يمكنها ان تنسى خالد وابتسامته الخارقة التي غزت قلبها القوي الارادة من النظرة الاولى
لقد انتهى هذا الحب الجارف الى الجلوس بها في حديقة مستشفى الامراض النفسية
وقد طال بعادها عن العالم الخارجي
لقد جرفها الحب الى اعماقه المظلمة
وهذه الوردة البلدية تشبهها الى حد كبير
مع انها اجمل الورد في الحديقة الا انها زرعت وحيدة في مكان محجوب عن الاعين
وقد جزبت عيون نغم الحزينة لتراقبها تتمايل
الزهرة الحمراء مع الهواء يمينا ويسارا وعيون نغم تتحرك معها لقد بدات تتذكر ما حدث
وبحرص بدات تتسلل عبر طيات ذاكرتها
لتستحضر الصور المتزاحمة والمتاخمة لاحزانها وها هو وجه الماضي المؤلم قد اتى
تجلس في حديقة منزلها ترنو الى السماء الزرقاء تحلق في احلام الحب الذي جمعها بخالد
يجلس بجوارها كلبها الوفي
تتحسس خاتم الخطوبة الماسي الذي اقتحم اصبع يدها الايمنتراقب وردة حمراء وقد نمت بجوارها وردة اخرى بيضاء
يتمايل الاثنان ويتعانقوا مع هبوب نسمات الهواء الساحرة
كعاشقين يتناجيان يتراقصان على انغام الموسيقى التي لا يسمعها الا هم فقط
قالت حنين بداخل نفسها باستسلام وعذوبة وهي تبتسم وتقبل خاتمها الماسي
لا حياة بغير الحب
لقد غمرها خالد بحبه الجارف واقتحم مشاعرها الوليدة بجرأة وتبادل كل منهما روحه  مع الآخر
وها هو موعد الزفاف قد اقترب بعد خطبة استمرت عدة اشهر
وسوف يربط الرباط المقدس هذا الحب إلى الأبد
تحلق نغم في سماء الحب
لقد كانت بالامس القريب ترفض أي اقتراب من قلبها الحديدي
حتى جاء خالد واجبر الصلب ان يلين
وامره ان يكون طائعا بعد امتلك مفتاحه
بكلمات  حبه الخارقه الساحرة
واستعذبت حنين شعور الحب المتفجر كعيون الماء العذب
لقد كانت تبحث عن الحب دائما
وعن قلب تطمئن اليه
حتى جاء هذا الفارس يمتطي الجواد الابيض وجذبها بقوة نحوه
وطار بها الى عالمه السحري
الى عالم الاحلام والارض الخيالية التي يكثر بها المحبين فقط
لم تكن تملك الشجاعة لتقول
احتاج للحب
اريد ان احب
كان كجزيرة صغيرة في عرض البحر
وهي كالغريق وسط امواج عاتية امضى عدة ايام بدون زاد
لقد اطعمها من رحيق الحب
ورواها من حنين القلب
انه هو
نعم هو
الذي كانت تتمناه دائما فاصبحت بفضله تعيش في دنيا رائعة
لقد قربها صوته من بركان الحنان والحب الخامد في اعماقها وجعله يثور ويتفجر بكل المعاني الجميلة التي لم تعرفها من قبل
وها هو الحبيب يدنو منها باسما هادئا يحمل حبها الكبير بداخله
كانت غائبة عن الوجود في دنيا احلامها تجرفها مشاعر فياضة
صباح الخير يا حبي الكبير
افاقت على صوته الساحر وقالت باسمة
اهلا خالد ,صباح النور يا حبيبي
ما هذا الشرود من المقصود به
ازدادت ابتسامتها اتساعا وقالت بدلال مقصود
لن اقول لك
جلس خالد بجوارها وقال في ثقة مرحة وقد عدل من ياقة قميصه وقال بثقة
انا طبعا
ضحكت حنين طويلا
ما هذا الغرور؟
ليس غرورا انه ثقة بالنفس فقط
احترس احترس حتى لا تنفجر
ارتفعت ضحكات المحبين في سيمفونية عذبة وقد شاركهم الكلب بنباحه سعيدا
اشارت حنين على الوردتين الحمراء والبيضاء وقالت بصوتا هامس
هل شاهدت هذه الورود الجميلة
فعلا يا حبيبتي ما اجملهم
هذه الوردة الحمراء تشبهك الى حدا كبير فهي فاتنة مثلك تفيض سحرا
وقال خالد بعزوبة
وهذه الوردة البيضاء تشبهك لنقاءك وطهارة قلبك
اذا اسمحي لي ان اقدم لك روحي ونفسي فداءا
اسرع خالد وقطف الزهرة البيضاء واعطاها لحنين الذي ارتسم على وجهها الوجوم
وسالته في اسى
لماذا فعلت ذلك؟
حتى اثبت لك اني احبك اكثر من حياتي
نظرت اليه بعيون يملاها اليقظة والحنان
انا اعلم ذلك يا خالد يا حبيبي, وانا ابادلك نفس الشعور واكثر , ولكن قطفك لهذه الوردة التي ترمز لك هو فال سيء
لا تضعي في بالك هناك ما هو اهم
قالت حنين مستسلمة
وما هو
لقد احضرت لك ثوب الزفاف
واين هو
لقد ارسلته الى حجرتك
سوف اصعد لاراه فورا
وانا سوف اذهب لان عندي اشياء كثيرة جدا لم انتهي منها بعد والزفاف غدا ولم يعد هناك وقت
قادتها قدماها المسرعتان الى حجرتها واخذت اناملها الصغيرة تتحس ثوبها الابيض الناصع المطرز بخيوط ذهبية وفضية
واسدل الليل ستاره واخفى السماء الزرقاء وشمسها , ونثر النجوم والقمر ليفسح الطريق لاحلام وعذاب المحبين والعاشقين
جمع الليل ادواته ورحل وعادت الشمس تنير الارض من جديد وارتفعت زقزقة العصافير وايقظة ساكني الفيلا وبدا الاستعداد لمراسم الزفاف التي ستقام في الحديقة الخلفية
وبدات الشمس تتثاءب ودخل اليل في خجل وتلالات الاضواء وارتفعت اصوات مكبرات الصوت باغاني صاخبة
وبدا المدعوون يتوافدون عائلات وفرادي
دلف الجسم الممشوق الى الثوب الابيض
واصبحت حنين في بهائها كملكة متوجة يدور حولها الكثير من الوصيفات يحملن باقات الورود
براقبها الرعية في اعجاب ,تسير مزهوة الى كرسي العرش ينحني لها المدعوون اجلالا واعتزازا
تطلق قلوبهم شحنات السعادة لتكون سحابة ممطرة تمطر بعذوبة لتروي وتبارك هذا الحب الجارف الذي ينمو بقوة بين القلبي
وفجاة
حدث ما انهى هذه السعادة
لقد جاء القدر بخبر مشؤوم
لقد رحل الحبيب الى جوار ربه
بعد تصادم بسيارته التي كانت تزينها الورود بسيارة نقل ثقيل
لقد تلقت الخبر بكل كيانها
اهتزت من اعماقها بقوة لم تعد تستطيع تحريك قدميها
أفاقت من احلامها على ضربة غادرة من ملاك الموت
آلام مبرحة تعتصر كيانها
كيف ستحرم منه , وهو كل حياتها
كانت اقرب ما يكون اليه واصبح روحها واكبر احلامها الجميلة الذي تراه في منامها دائما
كيف ساعيش المستقبل وقد غاب صاحبه
لن انساه
سوف يعيش بين ضلوعي دائما
يلازمني
يطوقني
يضمني
يشاركني مشاعري المختلفة حتى لو كان روحا هائمة حولي
فامس كان معي يسير على وجه الارض قبل ان يرحل الى باطنها ويتركني وحيدة , الا من ذكراه العطرة
لم تسقط دموع حنين
بل جمدت في محاجرها
كأن خالد يحجزها بيده يابى ان تسيل دموعه من اجله
تحس بانفاسه
بصوته
بحبه
ما يزال بالنسبة لها على قيد الحياة لم يغادر دنياها
بل لقد اصبح رجلا خفيا لا يراه إلا هي
لقد تركت الدنيا ورحلت ايها الحبيب
كما انها قد رحلت عنك
فوداعا يا من احببته ولن احب غيره مهما حييت
شعرت حنين بيد تلمس كتفها برفق انها الممرضة تحضر لها الدواء في ميعاده تناولت حنين الدواء بهدوء شديد وبلا مبالاه
وهي ما زلات تراقب الوردة الحمراء وهي تبتسم
تمت بحمد الله


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق